إعادة تشكيل البورجوازية المغربية: الحلقة الأولى


**تجديد تشكل البرجوازية الكومبرادورية المغربية**

**تمت إعادة تشكيل البرجوازية الكمبرادورية المغربية، مع سياسة "المغربة...
غـني القباج
غـني القباج

تجديد تشكل البرجوازية الكومبرادورية المغربية

تمت إعادة تشكيل البرجوازية الكمبرادورية المغربية، مع سياسة "المغربة"، بارتباط عضوي بالمصالح الاقتصادية والسياسية للرأسمال الاستعماري الجديد الفرنسي، أي "الاستقلال" في إطار التبعية. وهو الاستقلال الذي عبرت عنه مفاوضات "إيكس ليبان"، ثم "إعلان سِلْ سان كلود" بين الملك محمد الخامس وولي عهده الأمير الحسن من جهة، وأنطوان بيناي (Antoine Pinay) رئيس حكومة للاستعمار الفرنسي، من جهة أخرى. "إعلان سِلْ سان كلود"، حَوَّلَ لقاءات ومفاوضات "إيكس ليبان" إلى مفاوضات شكلية، إذ فرضت الإدارة الاستعمارية أن يشارك فيها كذلك ممثلو الإقطاع والقياد والباشوات (إدارة المخزن) وشخصيات عميلة للاستعمار في المغرب، أو اشتغلت تحت سلطته، والذين خانوا قضايا تحرر الشعب والوطن. وبالتالي كانت مفاوضات "إيكس ليبان" مفاوضات شكلية ومخدومة.

ويتضح ذلك في ما أورده المقاوم عبد السلام الجبلي في كتابه "أوراق من ساحة المقاومة المغربية"، إذ يؤكد في حديثه عن المفاوضات بين المغرب والاستعمار الفرنسي:

"استمرت المفاوضات بين المغرب وفرنسا، وتمَّ الاتفاق المبدئي على نقل محمد الخامس من مدغشقر إلى فرنسا، ليبقى بها مدة سنتين، مع تكوين لجنة سَمَّوْهَا "الهيئة الوصية على العرش".

في هذا السياق، شكلت فرنسا هيئة من الفاطمي بن سليمان، ومحمد المختار السوسي، وشيخ الإسلام بَلـْـعَرْبِي العلوي، والـَمْـعَمّري. وكان من المنتظر أن تتكفل هذه الهيئة بممارسة السلطة نيابة عن الملك، وبمهمة تشكـيـل جهاز الحكومة، على ألا يعود الملك إلى المغرب إلاّ بعد عامين من ذلك، إذّاك سيعترف الفرنسيون باستقلال المغرب. ويبقى السؤال، لماذا قبلت شخصيات وطنية، مثل المختار السوسي، وشيخ الإسلام بَلـْـعَرْبِي العلوي، الانضمام إلى هذه اللجنة؟

يتابع عبد السلام الجبلي: "كنا ضد هذا الاقتراح، ولذلك اتفقنا على بعث رسالة إلى الملك محمد الخامس، نحثه فيها على التشبث برجوعه الفوري إلى المغرب... ولما توصّل بها الملك تراجع عن ذلك الاتفاق (اتفاق نقل محمد الخامس من مدغشقر إلى فرنسا ليبقى بها مدة سنتين مع تكوين لجنة سَمَّوْهَا "الهيئة الوصية على العرش").

سيقوم الشهيد المهدي بنبركة، ولم يمض على الاستقلال الشكلي سوى أربع سنوات، بنقد ذاتي في وثيقته "الاختيار الثوري"، حيث أشار إلى اتفاقية "لا سيل سان كلود"، التي صادرت نضال الشعب المغربي ضد الاستعمار واستقلاله الحقيقي، وعَـبَّـدَت الطريق للاستقلال الشكلي، ولسيطرة الاستعمار الجديد. في وثيقة "الاختيار الثوري" يعبر الشهيد المهدي بنبركة عن هذا النقد كما يلي:

"في هذه الفترة من نضالنا الوطني، والتي رغم قصرها، أخذت تظهر فيها عوامل التوضيح الجذرية، التي كنا سندخل بها -كغيرنا من الثورات- في مرحلة حاسمة، في هذا الوقت بالذات وقع محمد الخامس في طريق عودته من المنفى إلى المغرب اتفاقية «لاسيل سان كلود "la selle Saint – cloud" مع الحكومة الفرنسية، كنتيجة لمباحثات «إكس ليبان» والتي أدت إلى الاستقلال السياسي الشكلي.

"فهل معنى ذلك أن الخصم كان أكثر خبرة منا، فأدرك قبلنا المغزى العميق لاتجاه سير الأحداث؟

"ولماذا لم تدرك حركة التحرر الوطني، التي كنا من مسيريها، الأغراض الأساسية للاستعمار؟ ولماذا لم نتول توضيح هذه الأغراض، وما يترتب عنها من مسائل للمناضلين، مع ما ينتج عن ذلك من تحديد لمتطلبات معركة تحريرية جذرية؟" .

دعم الاستعمار الفرنسي لتحالف المؤسسة الملكية والبرجوازية الكمبرادورية والإقطاع

وبالتالي يمكن اعتبار أن الاستعمار الجديد الفـرنسي، بعد قبول المغرب ارتباط "استقلاله" الشكلي بالمصالح الاقتصادية والسياسية للرأسمالية الفرنسية، سَهَّــلَ سيطرة تحالف المؤسسة الملكية والبرجوازية الكمبرادورية الناشئة وفئة الإقطاع على السلطة في المغرب. وأصبح البلد تحت سيطرة تحالف استعماري جديد، تمكن من الهيمنة على الموارد الطبيعية والاقتصاد التبعي المغربي. هذه الموارد الطبيعية، إضافة إلى مغربة جزء من الشـركات الفرنسية وعقارات وأراضي المعمرين الفلاحية (التراكم الأولي)، شكلت منذ الاستقلال الشكلي سنة 1956، أهم مصدر للتراكم الرأسمالي الخاص، وأهم دعم للبرجوازية الكمبرادورية الناشئة، وللملاكين العقاريين الكبار؛ وبالتالي تمكـنت المؤسسة الملكية من احتكار القرار السياسي والاقتصادي، وأصبحت فاعلا اقتصاديا، وطبقت سلطوية سياسية متحكمة في طبقة البرجوازية الكمبرادورية، ومتكاملة معها.

لذلك كان صراع المعارضة الوطنية (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حزب التحرر والاشتراكية، وجزء من المقاومة وجيش التحرير) ضد حكم الملك الحسن الثاني، يهدف إلى السيطرة على السلطةالسياسية/الدولة، بالنظر لكون الحُكْمُ استفرد بالسلطة السياسية، وحولها إلى مؤسسات استبدادية، سلطوية، مسيطرة على المؤسسات السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية العمومية، بهدف استمرار استيلاء الرأسمالية الفرنسية وطبقة البرجوازية الكمبرادورية الناشئة على الثروات المنجمية والبحرية والأراضي الفلاحية الخصبة، التي كان المعمرون الفرنسيون يستولون عليها.