مستقبل العمل والنشاط النقابي


بعد فشل "التجربة الاشتراكية الفعلية" في الاتحاد السوفياتي سابقا وأوروبا الشرقية، والارتكاس عن المكاسب الاجتماعية ل"الدي...
Alawrak
alawrak

بعد فشل "التجربة الاشتراكية الفعلية" في الاتحاد السوفياتي سابقا وأوروبا الشرقية، والارتكاس عن المكاسب الاجتماعية ل"الديمقراطية الاشتراكية" في الغرب الرأسمالي، ثم العودة إلى أشكال الاستعمار الجديد بعد حروب "التحرير الوطنية" في مجتمعات العالم الثالث، برزت الموجة الجديدة من تطور الرأسمالية مع مطلع الثمانينيات في عهدي تاتشر وريغان، التي أطلقت العنان لهيمنة "التأميل " أو سلطة الرأسمال المالي على مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية في كافة المعمور، وترتب عن ذلك تحولات جديدة في مجال العمل والنشاط النقابي، فحسب منظمة العمل الدولية ما يزال" معدل نمو الاقتصاد العالمي أقل بكثير مما كان عليه قبل الأزمة المالية لعام 2008، حيث يسجل أيضا أن معدل بطالة الشباب أعلى بكثير من متوسط معدل البطالة بين عامة السكان، وغالبا ما يكون أكثر من ضعف هذا المعدل. بالإضافة إلى ذلك ، فإن معدل توظيف الرجال أعلى من معدل النساء، التي لا يزال أقل بنسبة 26% في حين أن فجوة الأجور بين الجنسين لا تزال أعلى من 20%، وبسبب التغير الديمغرافي الحالي يسجل دخول 40 مليون شخص سنويا سوق العمل، مما يعني أنه بحلول عام 2030 سيتعين على الاقتصاد العالمي خلق أكثر من 600 مليون منصب شغل، حيث من المرجح أن تكون جل هاته المناصب في قطاع الخدمات، والتي تمثل حاليا ما يقرب 49%من إجمالي العمالة، مقارنة مع 29%للزراعة و22%للصناعة.من المحتمل أن تتحمل أيضا العمالة المستقبلية ضغطا أكبر بسبب العدد المتزايد من كبار السن، حيث سيرتفع عدد سكان العالم الذين تزيد أعمارهم عن 65 سنة من 8%اليوم إلى 14%تقريبا بحلول عام 2040.كما لا يزال هناك 319 مليون عامل يعيشون على أقل من 1،25 دولار أمريكي في اليوم، حيث أن 27%فقط من سكان العالم لديهم مستوى كاف من الحماية الاجتماعية."

وتعتبر أهم ميزة في تدويل الإنتاج عالميا هي بروز طاهرة "صنع في العالم" حيث تعتبر الصين اليوم "المصنع العالمي" لعدد كثير لا يحصى من الشركات العابرة للقارة، كما أن تدويل أسواق العمل ينعكس على هجرة عدد متزايد من العمال الباحثين عن عمل في بلدان مختلفة ، إذ تؤثر الهجرة الدولية على 232 مليون رجل وامرأة، وهو ما يمثل نموا إجماليا يزيد عن 50%منذ عام 1990، وتمثل 50% من الفئة النشيطة في القطاع اغير مهيكل، كما تمثل الوفيات السنوية التي تبلغ 2،3 مليون حالة بين العمال، الأجانب العواقب الوخيمة للأمراض المهنية، تكلفة اقتصادية واجتماعية للعمال وأصحاب العمل وأنظمة الحماية الاجتماعية ككل تبلغ 4%من الناتج المحلي الإجمالي، ويتجاوز عدد الأشخاص في سن العمل الذين لم يعد بإمكانهم بسبب المرض أو الإعاقة في العديد من الاقتصادات المتقدمة عدد العاطلين عن العمل، ويعيش نصف العاملين في العلم في البلدان التي لم تصادق على اتفاقية(رقم 87) الخاصة بالحريات النقابية وحماية الحق في التنظيم، سجل أيضا 168 مليون طفل يجبرون على العمل و21%مليون من ضحايا العمل الجبري.

تبعا لكل هذه المعطيات الرقمية، فالاتجاه العام لتطور العمل على مستوى المعمور تتركز في :استمرار العمل غير المهيكل، فقدان العمل بدوام كامل في بلدان الغرب الرأسمالي والأطراف، حيث سيادة العمل الهش والعمل بالمرونة، تنظيم العمل في سلاسل التوريد العالمية، التي تقوم بتصنيع منتج أو خدمة حتى يتم تسليمها إلى العميل النهائي ، في العقود الأخيرة انتقلت التجارة الدولية وإنتاج وتوزيع السلع والخدمات بشكل متزايد إلى سلاسل التوريد العالمية، العمل في إطار المناولة من الباطن، العمل الرقمي عبر مراكز الاستماع ، توطين الإنتاج الملوث ببلدان المحيط بالإضافة إلى بروز ظاهرة العمال المستقلين أو المقاولين الذاتيين الذين يشتغلون لحسابهم الخاص عبر استعمال الحواسب الذكية.

لقد أضحت خريطة تحولات العمل في مختلف بقاع العالم، التي عصفت بالعمل القار وحلت محلها أشكال جديدة للإجارة هشة ومرنة، تقوم على تفكيك كافة التشريعات الوطنية بخصوص حماية الحق في العمل، وتفكيك الطابع المادي للإنتاج، وخلق سوق رأسمالي مبتورة من شرط المساواة في العمل بين العمال المهاجرين والعمال الأصليين، حيت يضاف عنصر إدارة الصراع الطبقي على المستوى الدولي بين المقيم والوافد في البلدان الرأسمالية وبين المهاجرين فيما بينهم :أصحاب الأوراق الإدارية وبدون ،كل هذه التحولات قد أثرت عميقا في طبيعة الطبقة العاملة بمواصفات الزمن الحاضر، كما غيرت كثيرا من شروط العمل النقابي والأشكال النضالية المرتبطة به. إن اجترار الأشكال الكلاسيكية لتعبئة وتنظيم الطبقة العاملة عبر العمل النقابي الراهن ، يساهم بوعي أو بدون وعي في تخلف الأداء السياسي والنقابي للطبقة العاملة ولا يسمح بتنظيم مقاومة شرسة ضد الرأسمالية المتوحشة.

أية استراتيجية جديدة للعمل النقابي؟

ظل العمل النقابي بالمغرب بالمعنى اليساري يراوح مكانه منذ عقود طويلة، ليس بسبب عدم كفاحيته أو ضعفه الواضح أمام قوة الوسائل والإمكانيات التي تمتلكها البيروقراطية"اليمينية"و"اليسارية"، ولكن بالدرجة الأولى لغياب استراجية سياسية، تنهض على قاعدة التمثل النظري للتحولات النيو-لبرالية وتأثير مفاعيلها على الطبقة العاملة وحلفائها من المجتمع المدني، والمثقفين الثوريين ووسائط التواصل الاجتماعي، وبدون القدرة على الإبداع النظري، يستحيل التقدم في حل الإشكاليات العالقة منذ نشأة الحركة النقابية، وفي سبيل ذلك أعتقد أن نقطة الإنطاق هي بلورة نظرية موسعة للاستغلال التي تدمج مختلف فئات الإجارة الجديدة المرتبطة بالتكنولوجية الحديثة في الميادين الصناعية والزراعية والتجارية والمصرفية والخدماتية، و التي رفعتها الرأسمالية الجديدة إلى مسرح الأحداث السياسية، كما حدث في القرنيين الماضيين عندما كانت الطبقة العاملة صناعية، وترد الاعتبار لقسم كبير من الطبقة العاملة الذي يشتغل في القطاع غير مهيكل وهو يشكل القاعدة الواسعة للطبقة العاملة إضافة إلى ضرورة تثمين قوة العمل المنزلي الغير مؤدى عنه ولا يحتسب في الدخل الخام العام للدولة، ثم التفكير في العمل المستقبلي الذي تقتطعه الرأسمالية العالمية من حق الأجيال المقبلة في الشغل عبر الاستدانة التي تشكل خطرا كبيرا على ضرب وحدة الطبقة العاملة وعدم نجاعة وسائل  نضال الطبقة العاملة من أجل تحقيق مطالبها.