قراءة في كتاب الماركسية ونظرية التغير الثوري


الجزء الأول

أولا، سأقدم قراءة في جزأين لهذا الكتاب المهم والغني.

قبل أن أقول ما أريد اقتراحه كقراءة لكتاب الرفيق حسن ...
Mohamed Bentahar

الجزء الأول

أولا، سأقدم قراءة في جزأين لهذا الكتاب المهم والغني.

قبل أن أقول ما أريد اقتراحه كقراءة لكتاب الرفيق حسن الصعيب حول الماركسية ونظرية التغير الثوري، الذي كان من الممكن عنونته " تطور النظرية الماركسية في مسألة التغيير الثوري " ولا نغير من مضمونه ذرة واحدة، احتج على طريقتي على من احترفوا الهدم عوض البناء، وجعلهم من 50 سنة من التضحيات والعطاء مقبرة للفكر والظلامية اليسارية وابدأ بتقديم كل التحايا لرفيق وصديق من النوع الذي لا يتركك بدون احساس بالصدق في كل ما يقوم به : في الحياة السياسية، الاجتماعية، الفكرية، والإنسانية... اتكلم عن الاستاذ حسن الصعيب، الذي لم يحصل معه منذ أن عرفته هدرا لثانية من وقتي في جلستي أو نقاشي معه.

وشكرا صديقي على هذا المولود الجديد، الذي يفتح كما أشار تقديمك للكتاب المهدى لي بأنه يتضمن عددا من الرؤى المشتركة خلال نقاشاتنا حول الماركسية ونظرية التغيير والثورة.

وانا بدوري شاكر لصنيعك، لأنك تجرأت بشجاعة وانت الجندي المقاوم الذي عرض صدره لرصاص الجمود العقائدي السائد، صنو التقليد المخزني، ونزعت الغشاوة الإيديولوجية عن "ورثة الفكر الماركسي اللينيني" الذين أصبحوا عالة على الفكر التقدمي من خلال وضع دراسة لفك العقد والهالة الغامضة التي تحيط بما نتبناه كفكر حول الماركسية والثورة. كان هذا المجهود بصفته مهمة نضالية من أنبل المهمات، وفي هذا يكمن نجاحك ونجاح عطاءك وغزارته.

فتحياتي مرة أخرى لأنك قدمت كتابة بقلم الرصاص كما اشار اليه Albert Londres بكلمات تزعج كل من يقف في طريق المقاومة الفكرية وكل شوكة وكل عقبة وكل مرجف كما كتبه عبد الله البرغوثي في روايته "معتوه في دائرة العقلاء".

كتبت استاذ حسن القصة من بدايتها.

بدأت بسردية الماركسية الكلاسيكية وتحدثت عن أهمية اطروحات البيان الشيوعي فيما تلى حيث أصبح أحد أكثر الكتب السياسية تأثيرًا في العالم. بتقديمه لمنهجية تحليلية للصراع الطبقي بين الطبقات الاجتماعية ومشاكل الرأسمالية، وتنبأ بدقة وذكاء ثاقب بأشكال المستقبل الشيوعي المحتمل.

فعلا أصبحت هذه "الوثيقة النظرية والسياسية التي شكلت قطيعة فكرية وسياسية مع مختلف النظريات والممارسات السياسية البورجوازية، بما فيها تلك التي اتخذت لبوسا "مناهضة للرأسمالية" أو تبني شكلا خاصا من الاشتراكية ". أضف إلى هذه السردية المهمة للتذكير، هي تصحيح لمن تبنوا شكلا محنط في استيعاب الطبيعة المتجددة والديناميكية في الفكر الشيوعي بطروحات مظلمة وبائسة مبنية على رؤية كارثية مليئة برواسب الستالينية بعد موت لينين وتجميد الفكر الشيوعي.

تحدثت عن الطريق الملكي إلى المادية التاريخية معتمدا على محاولات ونقاشات ماركس وانجلز في سنوات 1844 خاصة حول علاقة الدولة بالمجتمع البرجوازي. وفي هذا الصدد قد اتفق مع الكاتب على النظرة الماركسية لهذه العلاقة و"اعتبار الدولة ليست هي التي تحدد وتسير المجتمع البرجوازي وإنما المجتمع البرجوازي هو الذي يحدد الدولة ويسيرها ومن الواجب تفسير السياسة وتاريخها انطلاقا من الظروف الاقتصادية وتصورها وليس العكس" الا انه يمكن أن تكون الدولة في عدد من الحالات هي المحددة للعلاقات وللاقتصاد في المجتمع ويصبح المجتمع رهين بطبيعة الدولة التي تغيره.

أن هذه الاطروحة تتجسد في عديد من الشروط التاريخية المعروفة عبر ما وقع في القرنين 19 و20 مثلا:

تجربة السوفيات هي تجربة دولة حددت بشكل واسع كيف يتهيكل المجتمع بسوفخوزات وكولخوزات قائمة الذات وتحدد كيف ينظم العمل والعلاقات المجتمعية والقضاء والتعليم وتكونت إلى حد ما دولة مركزية (Etat Central) يتحكم في دواليب المجتمع وقننت الانسجام القانوني مع هذا التصور وتكونت في الاتحاد السوفياتي مفوضيات الشعب التي لعبت دورًا رئيسيًا في الأحداث الهامة للاتحاد السوفياتي والمجتمع مثل الانتعاش الاقتصادي بعد الحرب الاهلية، و السياسة الاقتصادية الجديدة, والتحصيل الزراعي, والكهربة,والتصنيع, والخطط الخمسية لتنمية الاقتصاد الوطني, والرقابة، ومحاربة الدين, والقمع والاضطهاد السياسي، والجولاج، وابعاد الشعوب، وضم دول البلطيق ومناطق أخرى من قبل الاتحاد السوفياتي ، وتنظيم حركة حزبية، وتنظيم الإنتاج الصناعي في العمق خلال حرب وطنية واسعة المدى . (هذا وارد في عدد من الكتابات المهتمة بالموضوع)

هذا المثل ليس هو الوحيد. الدولة النازية حددت وأثرت على مسار الشعب الألماني وتحول إلى شعب منخرط في أطروحات الدولة بعد فوز هتلر في انتخابات 1933 التي هيأ لها منذ التصور الأول الوارد في كتاب "ماين كامف" حيث نظر بعض العلماء وآخرون لتعطي معنى أسطوري ل «العرق" وادّعوا أن هذا العرق أسمى من باقي الأجناس. وروج النازيون في ألمانيا لهذه الفكرة الخاطئة التي تميز الشعب الألماني لأنهم من أعضاء "العرق الآري" بينما أساؤوا إلى اليهود والسود والغجر لأنهم اعتُبروا بأنهم "غير آريين".

نفس الحالة بالنسبة لعلاقة الدولة الصهيونية بالشعب اليهودي المتصهين. فدولة الكيان الصهيوني كما كتبه ابراهام السرفاتي مركب عسكري صناعي تحول إلى نموذج اقتصادي مبني حول الدور العسكري الذي يلعبه الجيش تساحال والذي سن نظام الأبارتيد الخاص بالصهيونية والذي يتحول كنموذج لمجتمع ينبهر أمامه دعاة التطبيع.

والمثال الآخر هوما يعكسه المجتمع المغربي كنظام سياسي، موغل في القدم، والذي هو مؤسس حول بنية العرش وقبائل وبقايا الاستعمار وقسم علماني برجوازي مصطنع متحول وحديث تلعب فيه دولة المخزن دورا اساسيا بشعار محدد هو أولوية الدين والأرض المستقلة وشخص الملك ولا وجود للمجتمع كيفما كان شكله في هذا التصور وهو ما عبر عنه الحسن الثاني أكثر من مرة.

انطلاقا من هذه الأمثلة يتبن أن العلاقة بين الدولة والمجتمع البرجوازي أعقد ويظل الحاسم الأكبر هو المسيطر على جهاز الدولة التي تخوله ممارسة السلطة بشكل مطلق، وبالتالي تحديد القوى التي تخدمه في المجتمع.

ونجد عبر القراءة للكتاب (ص 20 وما تبعها) أن الكاتب يلخص هذا العمل في اربعة اعمدة رئيسية إثنتان واضحة تمام الوضوح، واثنتان يجب فهمها من السياق العام للكتاب (قضية صياغة): البناء النظري والسياسي لقوانين التاريخ البشري، الصراعات الطبقية بين المالكين وغير المالكين، دور الدولة والأيديولوجية الموازية لها والربط الجدلي بين مفاهيم ذات طايع عمومي إذ يتعلق الامر بالأدوار التاريخية التي اضطلعت بها الطبقة الاجتماعية التي تسيطر في مرحلة معينة من تطور الإنتاج الاجتماعي والدولة والإيديولوجية. (ص 26).

كان من المكن إضافة توضيح إلى هذه الاعمدة الأساسية التي وردت في سردية الاستاذ حسن الصعيب: توضيح حول التاريخ: التاريخ الملموس.. التاريخ الملموس في كليته لأنه هو عدد لا يحصى.. لا نهائي، من الوقائع والأحداث، والعلاقات، والخاصيات، والجوانب.. إلخ. (ما يتبع موجود في مراجع متعددة) هو حضارات الصين، والهند، وبابل، وفارس، ومصر، وأمريكا الجنوبية، وافريقيا.. هو، الحضارة التكنولوجية الحديثة.. هو حروب الاسكندر المقدوني، ويوليوس قيصر، وخالد بن الوليد، ونابليون، والحرب العالمية الأولى، والثانية.. هو: انتفاضة العبيد بقيادة سبرتاكوس، وثورة الزنج في العراق، والثورة الفرنسية، والبلشفية، واستقلال أمريكا.. هو الرأسمالية، والامبريالية، والاستعمار، واغتصاب فلسطين كما ورد بتلخيص مهم من طرف الاستاذ حسن الصعيب.. هو اليهودية، والبوذية، والمسيحية، والاسلام.. هو الفن الاغريقي، والشعر العربي، والمسرح الانجليزي، والأدب الفرنسي، والفلسفة الكلاسيكية الألمانية، والأوبرا الايطالية، والباليه السوفياتي، وموسيقى الجاز الأمريكية.. هو البشر، والتجارة، والزراعة، والصناعة، والمال، والفكر، والجنس... إلخ والتي لمح لها الاستاذ في عدة فقرات من الكتاب خصوصا في الباب الثاني والثالث.

التاريخ الملموس إذن، هو كل هذه الخاصيات والجوانب اللامتناهية من ميادين الصراع بين المالكين لوسائل الإنتاج والمسؤولين.

إنضاج مبادئ المادية التاريخية واعتناق الشيوعية؟

ورد في كتاب حسن الصعيب في الصفحة 27 أن "التعاون المشترك بين ماركس وانجلس في سنوات 1845 - 1847 قادهما إلى انضاج المبادئ الأساسية للمادية التاريخية واعتناق الشيوعية كنظرية لتحرير الطبقة العاملة بيد تخلينها من شتى ضروب التفكير المثالي من جهة، و " الاشتراكية الحقة" في ألمانيا من هبس وفيورباخ والاشتراكية الإصلاحية والشيوعية الطوباوية في فرنسا وإنجلترا وبلجيكا وسويسرا"

ممكن اضافة لهذه السردية وللفهم العام إضافة أنه ووفقًا لكتيب أكسفورد لكارل ماركس، انه استخدم (ماركس) العديد من المصطلحات للإشارة إلى مجتمع ما بعد الرأسمالية - الإنسانية الإيجابية، الاشتراكية، الشيوعية، عالم الفردانية الحرة، الارتباط الحر للمنتجين، إلخ. بالتبادل. إن فكرة أن "الاشتراكية" و "الشيوعية" مراحل تاريخية مميزة هي غريبة عن عمله ولم تدخل في قاموس الماركسية إلا بعد وفاته " (دليل أكسفورد لكارل ماركس. "مفهوم ماركس للاشتراكية". مطبعة جامعة أكسفورد.)

وفعلا كما لخصه الاستاذ، مرة في الجريدة الباريسية Le Globe في عام 1832. كان ليرو من أتباع Henri de Saint-Simon، أحد مؤسسي ما سوف يطلق عليها فيما بعد الاشتراكية الطوباوية. الاشتراكية التي تتعارض مع الليبرالية ومذهب الفردية التي شددت على قيمتها المعنوية للفرد بينما يتصرف الناس كما لو أنهم في عزلة عن بعضها البعض. أدان الاشتراكيين طوباوية الأصلي هذا و مذهب الفردية لفشلها في معالجة القضايا الاجتماعية خلال الثورة الصناعية، بما في ذلك الفقر، و القهر الواسع التفاوت في الثروة. كانوا ينظرون إلى مجتمعهم على أنه يضر بالحياة المجتمعية من خلال تأسيس المجتمع على المنافسة. قدموا الاشتراكية كبديل للفردانية الليبرالية القائمة على الملكية المشتركة للموارد. اقترح سان سيمون التخطيط الاقتصادي والإدارة العلمية وتطبيق الفهم العلمي لتنظيم المجتمع. على النقيض من ذلك، اقترح روبرت أوين تنظيم الإنتاج والملكية عبر التعاونيات. تُنسب الاشتراكية أيضًا في فرنسا إلى ماري روش لويس ريبو بينما في بريطانيا ترتبط بأوين، الذي أصبح أحد آباء الحركة التعاونية. وعلى العموم، هناك تمييز مبكر بين الشيوعية والاشتراكية هو أن هذا الأخير يهدف إلى الاختلاط فقط الانتاج في حين أن الأول يهدف إلى الاختلاط سواء بين الإنتاج والاستهلاك (في شكل حرية الوصول إلى السلع النهائية). بحلول عام 1888، استخدم الماركسيون الاشتراكية بدلاً من الشيوعية حيث أصبحت الأخيرة تعتبر مرادفًا قديمًا للاشتراكية. لم يكن حتى بعد الثورة البلشفية أن الاشتراكية هي التي حددها فلاديمير لينين على أنها تعني مرحلة بين الرأسمالية والشيوعية. استخدمها للدفاع عن البرنامج البلشفي ومن النقد الماركسي بأن القوى الإنتاجية الروسية لم تتطور بما يكفي للشيوعية. و الفرق بين الشيوعية و الاشتراكية أصبح بارزا في عام 1918 بعدما قرر حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي إعادة تسميته، وتفسير الشيوعية على وجه التحديد نسبة إلى الاشتراكيين ويعني الذين أيدوا السياسة الجديدة ونظريات البلشفية، واللينينية وفي وقت لاحق الماركسية اللينينية، على الرغم من أن الأحزاب الشيوعية استمرت في وصف نفسها بأنها اشتراكية وتكرس نشاطهاالسياسي للاشتراكية. (نفس المرجع).

البراكسيس الثوري وقيادة النضال البروليتاري العالمي

هي نقطة مهمة في الباب الأول حيث يختمها بالتأكيد على كتاب بؤس الفلسفة الذي يناقش فيه صديقه برودون الذي قضى معه وقتا كبيرا لنقاش قضايا اقتصادية متعلقة بالفهم الماركسي. وأشاد انجلس انطلاقا من هذا الرد والنقاش (الملاحظة من عندي)، أن هذا الرد اكتشاف علمي ناقش من خلاله ماركس كل التناقض بين القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية، القيمة التأسيسية أو القيمة التركيبة، تطبيق قانون نسبية القيمة الذي شمل كل من النقد والعمل الزائد. وحمل الفصل الثاني عنوان ميتا فيزياء الاقتصاد السياسي الذي من خلاله شرح طريقة برودون على ضوء سبع ملاحظات وضعها لهذا الشأن مناقشاً بعد ذلك كل من الآلة وتقسيم العمل، المنافسة والاحتكار، الملكية والريع العقاري، الإضرابات واتحادات العمال.

حسب تقديري، من الأفضل أن يطور الرفيق الصعيب جميع هذه النقط في طبعة ثانية، قد يتطرق فيها إلى كتاب ماركس (مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي -برلين عام 1859) الذي يعالج فيه طوباوية جون غراي الأولى في تبادل النقد العملي، ترجمة لخطاب ماركس حول التجارة الحرة في بروكسل عام 1848، ويعود هذا الخطاب، مثل "بؤس الفلسفة" إلى الفترة نفسها من تطور المؤلف، بالإضافة إلى رسالتين الأولى من ماركس إلى اننكوف والثانية من ماركس إلى شويتز. (انظر اقتباسات من كتاب بؤس الفلسفة المراجع المشار إليها في الكتاب)

على أي الباب الأول فيه متسع كبير للنقاش ونشكر الرفيق على عمله الناضج والمفيد للمكتبة المغربية الماركسية المغربية.

البقية تتبع في الجزء الثاني من القراءة

واستسمح الرفيق على هذه الملاحظات الهادفة الى المساهمة في نقاش الافكار حتى نستطيع أن نواجه بشكل مكتمل الجمود العقائدي والفكر الظلامي السائد، علما بأن جزء من هذا النقد مثبت في صميم الكتاب.

محمد بن الطاهر

ماي 2022