حتى لا ننسى : انتفاضة 23مارس1965


\
           السياق... التاريخي والدروس

تحل الذكرى 57 عن انتفاضة 23مارس 1965، التي فجرها التلاميذ بالدارالبيضاء وخلفت ...
Hassan Saib
Hassan Saib


           السياق... التاريخي والدروس

تحل الذكرى 57 عن انتفاضة 23مارس 1965، التي فجرها التلاميذ بالدارالبيضاء وخلفت ضحايا بالمئات، وما تزال جراحاتها قائمة لحد الآن ولعل أخطرها استمرار نظام تعليمي يكرس العبودية والخنوع، وينتج التجهيل والاستلاب، حتى تظل ذاكرتنا متقدة، نسوق للقراء هذه المحاولة في قراءة جزء من تاريخ مغرب النضال معمد بدماء الشهداء.

"إن تاريخ كل الثورات السابقة يدلنا على إن الحركات الشعبية العنيفة، بعيدا أن تكون نتاجا اعتباطيا، واعيا ل"قادة" أو "أحزاب" كما يتصورها الشرطي أو المؤرخ البرجوازي الرسمي، هي في الواقع، ظواهر اجتماعية بدائية ناجمة عن قوة طبيعية تجد منبعها في الطابع الطبقي للمجتمع العصري"

روزا لوكسمبورغ

1-  #الانفراد بالسلطة وتطبيق برنامج الكومبرادور:

بعد قمع انتفاضة الريف في أكتوبر 1958 والانقلاب على حكومة عبد الله إبراهيم سنة 1959 ووضع حد لتمرد الأطلس المتوسط المسلح في فبراير 1960 بقيادة "عدي وبيهي"، انفرد ولي العهد آنذاك الحسن الثاني بالسلطة وقيادة الحكومة خلال السنوات 1960-1964 التي عرفت تطبيق المخطط الخماسي الذي يرمي في خطوطه العريضة إلى توسيع قاعدة الملاكين العقاريين الكبار من خلال إنشاء المكتب الوطني للري بتاريخ 3 شتنبر 1960، خاصة في المناطق التي هيئ لها الاستعمار البنيات التحتية ، والتي تقدر مساحتها ب600.000 هكتار.

وقد كانت ملكية الأرض بالنسبة للفلاح الذي يمثل 90% من ساكنة البادية لا تتجاوز بالنسبة للفئات المتوسطة هكتارين بينما يستحوذ 10% من الملاكين العقاريين على ما يفوق 60 % من الأراضي الفلاحية المرتبطة بسياسة الري.

أدت هذه السياسة إلى حرمان الجماهير الفلاحية من حقهم في الأرض، إذ تبخرت لديهم كل أحلام الاستقلال، إذ تم تفقير العديد منهم وانتزاعهم من بيئيتهم انتزاعا، ورميهم إلى ضواحي المدن حيث الآفاق المظلمة. كما أدت على مستوى تسيير المرافق العمومية إلى تخفيض النفقات الخاصة في مجالات الصحة، التعليم والشغل، بحيث بلغت مديونية الخزينة العامة156 مليار فرنك وعرفت الأجور انحصارا بينما ارتفعت الأسعار بنسبة 50%.

وفي مجال الصناعة، ارتكزت سياسته على تقوية البرجوازية الكومبرادورية وتوسيع نشاطاتها المالية(إنشاء بنك القرض الفلاحي، الموجه للاستثمارات الفلاحية على المدى القصير والمتوسط، خصوصا في مجال الصناعة التحويلية، كإنتاج السكر وصناعة القطن ومشتقات الحليب...) والتي أدت إلى تعميق ظاهرة البطالة في صفوف الشباب خاصة أن ساكنة المغرب آنذاك كانت تمثل 56،6% من الشباب أي اقل من 20سنة.

كل ذلك كان محكوما بنهج أسلوب تحكمي تفرضه دولة رأسمالية تبعية يؤطرها دستور 1962 الممنوح الذي يشرعن الحكم الفردي المطلق.

2-  #الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان

خلال هذه الفترة عرفت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تطورا خطيرا تمثل في الاعتقالات الواسعة التي مست مناضلو واطر المعارضة الاتحادية (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الاتحاد المغربي للشغل)  كان عنوانها البارز محاكمة يوليوز1963 أو ما يعرف بالمؤامرة ضد الملك الحسن الثاني،حيث حوكم 11 مناضلا بالإعدام (ثمانية  في حالة غياب من ضمنهم المهدي بن بركة وعبد الرحمان اليوسفي) وثلاثة في حالة حضور( محمد الفقيه البصري – الديوري- عمر بن جلون) و35 أدينوا بأحكام متفاوتة.

وبتاريخ 19 غشت تم تحويل أحكام الإعدام إلى المؤبد بالنسبة للبصري والديوري وعمر بن جلون.

كما عرفت هذه الفترة مواجهات مسلحة بين رفاق شيخ العرب وجهاز القمع(البوليس) أسفرت عن قتل 3 من رجال الشرطة وأربعة من رفاق شيخ العرب.

شهران بعد ذلك تم اغتيال شيخ العرب في إحدى الأحياء الشعبية بمدينة الدار البيضاء وقد استشهد في المعركة بدون أن يستسلم.

وفي مجال خنق الحريات الفردية والجماعية تم اعتقال ثلاثة عشر مواطنا مغربيا ومن ضمنهم سوري بالناظور، لانتمائهم إلى الطائفة البهائية وحكمت عليهم محكمة الجنايات بالناظور بالإعدام ل3اعضاء و5 بالسجن المؤبد والباقي ب5 سنوات نافذة.

وبخصوص حرية التعبير والصحافة، فقد تم منع جريدتي "الكفاح الوطني" لسان حال حزب التحرر والاشتراكية  " بتاريخ 12 مارس 1965  و "الوطن الإفريقي" باللغة الفرنسية لسان حال حزب الاستقلال بتاريخ 17 فبراير 1965 واستنطاق مديرها والحكم عليه ب10 أشهر سجنا نافذة، واعتقال 600 شخص بسبب إعلان  فطورهم في شهر رمضان بالمقاهي الشعبية والشارع، حيث صدرت أحكاما نافذة في حق 30  شخصا فيما الباقي بأحكام موقوفة التنفيذ.

3-  #رب شرارة أحرقت حقلا

في هذا السياق العام نزلت المذكرة المشؤومة الموقعة آنذاك من طرف وزير التربية يوسف بلعباس الطعا رجي بتاريخ 9 فبراير 1965 وبتاريخ 20مارس 1965 بدأ الشروع في تطبيقها، إذ حددت هذه المذكرة أنه "من الضروري ألا يتوجه إلى السنة الرابعة من الثانوي سوى التلاميذ القادرين على متابعة الدراسة في إحدى الشعب المتخصصة من السلك الثاني وانه يمكن أن يتوجه من السنة الرابعة من الثانوي التلاميذ المزدادون سنة 1948 المتخرجون من السنة الثالثة من الثانوي ، بينما أولائك المزدادون قبل سنة 1948 وتبلغ أعمارهم 18 سنة أو أكثر، فلا يمكنهم ولوج السلك الثاني من الثانوي أو الوصول إلى قسم الباكلوريا".

وقد أثارت هذه القرارات حفيظة التلاميذ المعنيين وأوليائهم.

كانت هذه هي الشرارة الأولى التي أشعلت فتيل الانتفاضة، فمع انطلاق الاحتجاجات الأولى ابتداء من 20 مارس 1965، عمدت السلطة إلى إقفال 13 مؤسسة تعليمية بالدار البيضاء، كانت 154 تعليمية في المغرب كله تشمل 91010 تلميذ، منهم 35.000 في الشعب التقنية (80.035 من المغاربة و12.095 من الفرنسيين) وقد تخرج من المدارس العليا لتكوين المعلمين 1500 تلميذ/معلم سنة 1962 و1800 تلميذ/معلم سنة1962 و2400 سنة 1965. هذه المعطيات تؤكد أن أعمار المدرسين سنة 1965 كانت قريبة جدا من أعمار التلاميذ في السلكين الأول والثاني)

وقد أدى بخروج الآلاف من التلاميذ إلى التظاهر السلمي بتاريخ 22 مارس 1965 مطالبين بتلبية حقهم الأساسي في التعليم (شملت الاعتقالات الأولى 3000تلميذ) لكنها لم توقف استمرار التظاهر، ومما أعطى لهذه الاحتجاجات طابعا طبقيا بارزا، هو تضامن جمعيات آباء وأولياء التلاميذ والطلبة، ثم التحقت فيما بعد شبيبة الأحياء الشعبية ومختلف الشرائح الاجتماعية الكادحة والمهمشة من عاطلين وباعة متجولين وحرفيين.

وفي الوقت الذي تحولت فيه الاحتجاجات التلاميذية إلى انتفاضة شعبية بتاريخ 23 مارس1965و التي انتقل صداها إلى الرباط  وفاس وطنجة  خلال ذلك الوقت اجتمعت على الفور هيئة مصغرة مكونة من كبار ضباط الجيش والمسؤولين السياسيين في هرم السلطة وعلى رأسهم الملك الحسن الثاني، حيث تقرر وضع خطة أمنية لحصر الانتفاضة وإجهاضها والحيلولة دون انتقالها إلى ربوع المغرب. وقام آنذاك الجنرال السفاح أفقير بترجمة هذه الخطة على الفور.

بلغت الانتفاضة الشعبية أوجها من خلال وضع المتاريس وإحراق الكوميساريات رموز المخزن وبعض الابناك ومتاجر الأجانب الفاخرة رموز الاستعمار الجديد، ورغم  تدخل السلطات القمعية التي استعملت كل الوسائل: قوات الشرطة، القوات المساعدة، جهاز التدخل السريع، الجيش، وحتى الأسلحة الثقيلة، رغم كل ذلك استمرت الانتفاضة في الدار البيضاء حتى يوم 24 مارس فيما استمرت إضرابات الطلبة حتى يوم 29 مارس بعد إطلاق سراح مجموعة من الطلبة والتلاميذ وعلى رأسهم رئيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب حميد برادة.

وحسب الملاحظين الدوليين والصحافة المعارضة فإن عدد القتلى فاق المئات، إلى جانب الآلاف من الجرحى.

بينما الحصيلة حسب بلاغ وزارة الأنباء فلم تتجاوز7 قتلى من المواطنين تتراوح أعمارهم بين 30و 60 سنة، وجرح 45 شرطيا و24 من القوات المساعدة كما تضررت 8 سيارات الشرطة وأضرمت النار في دراجات نارية وسيارة تابعة لمفتشي الأمن، وقد القي القبض على 168 شخصا أحيلوا فورا على المحاكم.

4-  #على من تقع المسؤولية:

كعادته حمل الملك تبعات هذه الانتفاضة إلى الشعب وفي طليعته رجال التعليم حيث أن اغلبهم لا تتجاوز أعمارهم إلا قليلا عن العشرين سنة ، حيث جاء في خطاب العرش يوم 30 مارس:" أتوجه إلى الأساتذة وأقول لهم، انه من عادة الرجال وعادة المثقفين بالخصوص أن تكون لهم الشجاعة الكافية للتعبير عن أفكارهم، لا أن يستغلوا التلاميذ، ولا أن يتستروا وراء الأطفال" واختتم كلامه عنهم بتحذير شديد اللهجة:" أقول لكم انه لأخطر على أي  دولة من الشبيه بالمثقف وانتم أشباه المثقفين وليتكم كنتم جهالا".

أما أحزاب المعارضة ممثلة في أحزاب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب التحرر والاشتراكية والاتحاد المغربي للشغل( باستثناء جامعته الوطنية للتعليم والاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذين ساندا منذ البداية انتفاضة الشباب وقدما لها الدعم السياسي الضروري ) لم تعلن صراحة عن دعمها للانتفاضة بل أقصى ما قامت به وفي وقت لاحق هو إصدارها بيانات تعتبر أن ما حصل هو نتيجة فشل السياسة المتبعة في كل المجالات وعلى الخصوص في قطاع التعليم، ومطالبتها بإصلاحات جذرية بدءا من تحرير دستور ديمقراطي وإقرار سياسة وطنية تحد من الفوارق الاجتماعية.

5-  #الدروس المستخلصة:

كان الدرس الأول هو بروز الشباب كطاقات ثورية لا ينضب خزانها، وهو ما سيتكرر في كل المعارك التي خاضها الشعب ضد التهميش والتفقير وهضم الكرامة، وهو ما سنلاحظه في الأدوار الطلائعية التي أصبح يضطلع بها في مختلف الأنشطة الثقافية والنقابية والسياسية، بعزيمة لا تلين من اجل ترسيخ ثقافة حديثة تقطع مع الممارسات التقليدية والمخزنية التي تكبل المجتمع وتعرقل تطوره الطبيعي.

انطلاقا من هذا المعطى، ستشتغل لاحقا قوى سياسية جديدة انبثقت من رحم هذا الجيل التواق إلى الحرية والمساواة، جيل الحركة الماركسية اللينينية، التي سرعان ما ستكتسح الساحة السياسية وتنشر نقدها الجذري للأحزاب الإصلاحية التي اهترات هياكلها، رافضة أية مساومة مع النظام، بحيث أحدثت قطيعة معرفية وسياسية مع كل مل يرمز إليه النظام البائد.

ومن الدروس الأساسية التي تستخلص من هذه الانتفاضة هو انبثاق جيل جديد من هذه الحركة الذي عاش ظروف الانتفاضة وخبر عن كثب التواطؤ المكشوف بين أحزاب الحركة الوطنية والنظام، مما أدى به إلى التعبير عن طموحه السياسي في الانعتاق من اسر الأحزاب التقليدية وذلك بفك الارتباط التنظيمي والسياسي مع هذه الأحزاب وهو ما سيؤدي فيما بعد إلى تبلور الحلقات الأولى من الحركة الماركسية اللينينية.

وتأكيدا على ذلك جاء في الوثيقة التأسيسية لمنظمة 23 مارس ما يلي: " كانت انتفاضة 23 مارس 1965 انتفاضة شعبية كبرى بعد الاستقلال، تظاهر فيها آلاف من الشباب والعاطلين في اغلب المدن المغربية، وسقط فيها ما يزيد عن ألف شهيد وعمت الاعتقالات بالجملة في هذا الجو، وفي هذه المعركة التي أعلنت فيها الجماهير بغريزتها الثورية، وبأسلوبها الخاص، عن قطيعتها النهائية مع خط العمل الإصلاحي البرلماني، وعن رفض كامل لإستراتيجية الملكية الدستورية.

في هذا الظرف دخلت الأحزاب الوطنية، حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المفاوضات المشهورة مع الحكم، وفي هذه الفترة أيضا، بدأا سؤال كبير وخطير يطرح بين المناضلين وبالخصوص الشباب الذين عاشوا وشاركوا في نضالات 23 مارس، وفي نفس الوقت كانوا مناضلين منتمين لحزب القوات الشعبية: كيف يصح بعد هذه المجزرة الوحشية التي أقامها الحكم الملكي ضد الجماهير أن يصافح زعماؤها وقادتها رئيس الدولة ويجلسون معه على طاولة واحدة للحديث حول مصلحة الشعب الذي سحقه الحكم بالأمس?.

بالإضافة إلى الدروس السابقة هناك أيضا اعتبار إشكالية التعليم بمعانيه الوطنية والديمقراطية والشعبية، وبارتباط مع إشكالية العلمانية، والمعرفة العلمية، وامتلاك التكنولوجيا الحديثة، لا يمكن حلها في إطار النظام القائم، بل حلها يتأسس على نقد مزدوج للنظام الطبقي من جهة والنظام الامبريالي من جهة ثانية، وهو ما سيطبع بميسمه وما يزال التاريخ الحديث للمغرب.