ما الحب ؟


\
هل كان أبي يقول لأمي :" أحبك"؟

طبعا لا، ولا  حتى "كنبغيك" "كنعشقك" "كنموت عليك" لا لا ولاشيء، على رأي زياد الرحباني،...
مينة بوشكيوة


هل كان أبي يقول لأمي :" أحبك"؟

طبعا لا، ولا  حتى "كنبغيك" "كنعشقك" "كنموت عليك" لا لا ولاشيء، على رأي زياد الرحباني، لم يتبادلا عبارات الحب ولا القبل أمامنا، المرة الوحيدة التي ضبطهما غارقين في قبلة بغرفتهما وقت القيلولة وأنا بعمر الخامسة، كانت من نصيبي صفعة مدوية على خدّي الأيسر لازلت أتحسس طنينها لغاية اليوم..

لم أسمع بحياتي، حتى بعد زواجي الأول، بهذا الذي يسمى "عيد الحب"، كان حظي باهتا جد من تعبيرات الحب في أسرتي، وبعدها زوجي ..

ونحن صغار، لم يدربنا أقاربنا على قول هذه الكلمة السحرية لبعضنا، ولاكنا نسمعها من والدينا أو أجدادنا أو جيراننا، ظلت كلمة موؤودة حبيسة القصص والروايات التي كنت ألتهمها باللغتين، و داخل جهاز  الراديو والتلفزة، في الأفلام الرومانسية، وعلى أمواج الإذاعة الوطنية عندما  تبث الأغاني والتمثيليات والمسرحيات المسموعة..

ثم جاء عصر الكاسيت، فسكنت الكلمة ، تلك الأشرطة التي كانت اختي مولعة بها، لعبد الحليم ووردة وميادة الحناوي، بعدما سبقتها الأسطوانات التي كان يشتريها أبي فور نزولها للسوق، من فن العيطة إلى الطرب المغربي والملحون والغيوان، مرورا بالكلاسيكيات الشرقية، فريد الأطرش واسمهان وعبد الوهاب..

كلمة "أحبك"، لم تدخل جغرافية وجودي  بقدر ماعبرت تاريخ ذاكرتي السمعية والحسية،  كانها غيمة تحلق في السماء فوق رأسي رافضة النزول إلى  الأرض، مطرا يسقي جفاف هذا المحيط القاحل بواقعي الأسري..

كان مجرد التفكير بإخراج الكلمة من مخابئها السرية، كفيل بنعتي بالسفاهة و "التسلكيط" وقلة التربية والعرض، مايعني  التعرض للعقاب الجسدي الشديد، مجرد التكلم عن "الحب"، حتى ولو كان الأمر ترديدا طفوليا ببغائيا لأغنية أو حكاية سمعت صدفة  عن ابنة الجيران التي تعشق ابن الجيران  اللذان ضبطا يتبادلان قبلة تحت شجرة التين التي تظل بيت أحدهما..

لاوجود للحب، فب طفولتي، على سطح الواقع بالقدر الذي أتخمني به  العالم الفني والإبداعي المتعالي على وجودي..

كان عالم الحب افتراضيا،  بالنظر إليه الآن، بحكم المسافة،  ما كان ينقصه هو التفاعل والشجاعة والحرية وقليل من التفهم..

ولعله لهذه الأسباب، تحولت لكائن خجول رغم كل هذا العمر والتجارب والخبرات والعلاقات، أنا كائن لايستطيع قول كلمة أحبك أو كنبغيك أو كنعشقك جهرا لأي شخص، حتى ولو كان ابنتي أو شخصا وقعت في حبه، ماينفعني ويعوضني عن ذلك، هي الكتابة..أكتب الكلمة السحرية في اليوم آلاف المرات وبكل اللغات، دون أن أنظر في عيون من أحبهم لأني لازلت أحمل ندوب تلك الصفعة على خدي داخل قلبي وذاكرتي الموشومة بالعنف..

ولو فكرت في التمرد يوما وجاهرت بحب أولئك الذكور الذين أثاروا  انتباهي وأنا طفلة أو مراهقة، لو فعلتها ونطقت ، لصرت "قحبة" في عيون أمي وأبي وأخي وجدتي وعيوني، أيضا..

فالحب تعبيرا، كان في شريعة أسرتي جريمة وكبرى كبائر فساد الأخلاق..

ولسخرية الواقع، كنت طفلة مطلوبة جدًا لكتابة الرسائل الغرامية، من صديقات الدراسة لعشاقهن، لما عرفت به من أسلوب رشيق وجميل نقي من الأخطاء،

.

صرت، أيضا، الكاتبة الخاصة لإحدى خالاتي، كانت أمية، تصلها رسائل ملتهبة وطويلة من عاشق إمارتي نهاية السبعينيات،

وجيراننا بدورهم، كنت كاتبتهم المفضلة، يؤدون أجر سائلهم فواكه وحلويات..

رغم هذا كله، لم أستطع كتابة ولو رسالة واحدة، وأبعث بها، لمن أصابتني حمى الوقوع في غرامهم، حمى الحب، التي أنكر على نفسي نارها ولهيبها اللذيذ وأمنع نفسي من التعبير عنها برسالة جميلة تبرد ماكان يشتعل بداخلي من أحاسيس

لقد عجنت حواسي ومشاعري بخليط من الخوف و المنع والقمع والحرام، وضللت طريق الوصول للحب،حتى أصبحت حيوانًا جنسيا لاأومن بعلاقة مثالية خالية من الممارسة الجنسية..

قد يحصل لي التعبير عن الحب، دون أن أنزع عنه لباس الشهوانية، وحدث أن كتبت رسائل كثيرة لعشاقي بعد تاريخ "التحرر"، إلا أنها كانت دوما مشحونة بكلام عن الرغبة والجنس والمتعة الحسية..

فهل أضعت الحب في أدغال القمع ومسالك الجفاف والقحط، كعطشان تائه يضيع ماؤه القليل تائها وسط الصحراء ، أم أن الحب الذي اكتفيت به هو الشكل الأصح للإفصاح عن الرغبة في احتضان جسد المحبوب، دونما لكلمات مثالية أو ورود حمراء وقصائد وردية مطرزة وملتهبة أشواقا وحنين ؟؟