النزاع التاريخي حول الصحراء الغربية وإشكالية الخروج منه


تقديم: تعرف منطقة المغرب الكبير (تونس-المغرب- الجزائر) توترات سياسية كبيرة، أهمها استفحال ظاهرة الاستبداد السياسي، وانط...
Hassan Saib
Hassan Saib

تقديم: تعرف منطقة المغرب الكبير (تونس-المغرب- الجزائر) توترات سياسية كبيرة، أهمها استفحال ظاهرة الاستبداد السياسي، وانطلاق موجة جديدة لمناهضتها، تتجلى في الاحتجاجات والمسيرات الشعبية للمطالبة بتجسيد الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد أصبحت التطورات السياسية تتسارع في منطقة المغرب الكبير، لكن بشكل متفاوت، تؤججها خصوصية المشاكل السياسية العميقة والاقتصادية والجيو-سياسية الموروثة عن الاستعمار الفرنسي، ولعل أخطرها وأطولها استمرار النزاع التاريخي حول الصحراء الغربية. من خلال هذه الورقة سنحاول في البداية تسليط الضوء على طبيعة هذا النزاع، لنخلص إلى شروط التفاوض وإشكالية الخروج من هذا النزاع.

ازدادت حدة هذا الصراع مع تسعير الخلافات السياسية بين النظام المغربي والنظام الجزائري، خاصة على المستوى الديبلوماسي في بهو الأمم المتحدة، لما طالب ممثل المغرب بحق تقرير مصير منطقة القبائل بالجزائر، ثم على المستوى السياسي عندما قبل النظام المغربي بتسوية ملف الصحراء الغربية بينه والولايات المتحدة الأمريكية في عهد ترامب، واعتراف هذا الأخير بالصحراء " مغربية" مقابل التطبيع مع الكيان الصهيوني.

1-في الشروط التارخية لنزاع الصحراء الغربية

منذ أزيد من أربعة عقود، لم يفض النزاع التاريخي بين النظام المغربي وجبهة البوليساريو، حول الصحراء الغربية، إلى حل سياسي ينهي مع مـأساة شعب يعيش حالات من الشتات والتمزق النفسي والاجتماعي والأسري، بين مخيمات  تندف التي تديرها جبهة البوليساريو،  والمناطق الخاضعة للسيطرة من طرف النظام المغربي.

إن استمرار هذه الوضعية، يساهم في استفحال الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للشعب الصحراوي، واستمرار نهب موارده الطبيعية والاقتصادية من طرف الرجعية والامبريالية، بالإضافة إلى المخاطر التي تهدد المنطقة من قبل تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية.

انطلق  هذا الصراع منذ أواسط السبعينات، في سياق الحرب الباردة، ثم عرف تحولا جديدا مع انهيار المعسكر الاشتراكي وإحداث 11 شتنبر 2001، كما تأثر بالسيرورات الثورية في المنطقة المغاربية والعربية.

باختصار يمكن تحقيب  هذا النزاع من خلال ثلاثة مراحل أساسية:

1-  المرحلة الأولى وهي المرتبطة بجلاء الاستعمار الاسباني (من سنة 1884 الى سنة 1976).

2- المرحلة الثانية تميزت باندلاع الحرب بين المغرب والبوليساريو من سنة 1976 حتى سنة 1991.

3- ثم المرحلة الأخيرة التي لا زلنا نعيش تداعياتها وهي الممتدة من تاريخ وقف إطلاق النار سنة 1991 إلى يومنا هذا وتعكس وضعية: " لا حرب، لا سلم".

ويمكن تسجيل في هذا الصدد، أن تقدما نسبيا حصل في إطلاق مسلسل التفاوض منذ سنة 2007 بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد فشل مخطط باكر، كما انطلق تفاوضا بشكل ثلاثي بين المغرب وموريتانيا والجزائر بالإضافة إلى جبهة البوليساريو ما بين 10 و11 فبراير من سنة 2011، لكنه لم يفض إلى حل سياسي بسبب تعنت المغرب الذي تشبث بمشروع الحكم الذاتي كإطار للتفاوض.

وفي المجموع كانت تسع جولات من المفاوضات ما بين سنتي 2007 و 2012.

2**- في شروط التفاوض والخروج من أزمة النزاع حول الصحراء الغربية**

رغم إقرار التفاوض كصيغة سياسية بدل الحرب، منذ وقف إطلاق النار سنة 1991، فهو ما يزال يتأرجح بين المواقف المتشددة لكل أطراف النزاع، وخصوصا بين النظام المغربي وجبهة البوليساريو، ففي ختام المشاورات التي استمرت يومين بين ممثلي المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو، أكد الوسيط ألأممي هورست كولير يوم 22 مارس الماضي على أن "الجولة الثانية من المحادثات لم تتم تسوية بشأن الصحراء الغربية، ولم تتمكن من تجاوز الخلافات القائمة منذ فترة طويلة بين المغرب والبوليساريو".

من جانب آخر اعتبر المغرب أن "استفتاء يكون أحد خياراته الاستقلال،غير مقبول" فيما شدد بالمقابل الطرف الآخر الممثل لجبهة البوليساريو على"ضرورة تمكين الشعب الصحراوي من التعبير بحرية وتقرير مصير هذه المنطقة " . ومع ذلك يبقى الأمل متوقفا على نتائج الجولة الثالثة التي تقررت قبل صيف 2019 حسب مندوب المغرب.

مما لا شك فيه أن الرهانات السياسية الكبرى في الصحراء الغربية تتمركز حول من يستطيع لأمد طويل التحكم في الثروات الكبيرة التي تزخر بها الصحراء الغربية ، وأساسا المواد الخام التي تسيل لعاب الشركات العملاقة الأمريكية والأوروبية، من بينها الفوسفاط والنفط، بالإضافة إلى امتلاك حقوق الصيد في بحر المحيط الأطلسي، وتشير تقديرات إلى وجود 500 ألف شخص يعيشون في الصحراء الغربية، وفي عام 2017 سجلت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أن أكثر من 100 ألف صحراوي معظمهم يعيش في مخيمات تندوف بالجزائر.

إن حسم هذه الرهانات ليس موكولا لأنظمة باتت أكثر فسادا ورجعية واستبدادا ولا مصلحة لها غير استمرار الوضع عما عليه تدعمها في ذلك السيطرة الإمبريالية الغربية وعلى رأسهما أمريكا وفرنسا، بل هو من صميم نضال شعوب منطقة المغرب الكبير وقواها الديمقراطية ذات المصلحة في إقرار ديمقراطية حقيقية حيث تنعم الشعوب بالعيش المشترك بالاستفادة المتساوية لخيراتها  و بالعيش الرغيد والكرامة الإنسانية، الشيء الذي يتوجب من الآن فصاعدا الضغط من التحت لبلورة استراتيجية أخرى ولمسار سياسي آخر يصب في مجرى السيرورات الثورية الجارية على قدم وساق.